ما التالي لسوق الكريبتو بعد موقف باول المتشدد؟

في سبتمبر 2025، نفذ الاحتياطي الفيدرالي خفضًا بمقدار 25 نقطة أساس، وهي خطوة توقع كثيرون أن تنعش سوق العملات الرقمية. لكن الارتفاع المتوقع في أسعار العملات الرئيسية مثل البيتكوين (BTC) والإيثيريوم (ETH) وسولانا (SOL) لم يتحقق. ورغم توقعات معظم مسؤولي الفيدرالي بحدوث خفضين إضافيين في 2025، بقي السوق هادئًا، حيث ألقت التقلبات والضغوط الخارجية بظلالها على معنويات المستثمرين. وساهمت في هذا الغموض إشارات من بنك اليابان (BOJ) حول احتمال رفع الفائدة، إلى جانب الخطاب المتشدد المستمر من رئيس الفيدرالي جيروم باول. هذه العوامل خلقت بيئة معقدة لمستثمري العملات الرقمية، وأثارت تساؤلات حول الخطوة المقبلة للسوق، وإمكانية عودة السوق الصاعد أو استمرار المرحلة الهابطة لفترة أطول.
شبح رفع الفائدة في اليابان
أحد أبرز المخاوف التي تضغط على سوق العملات الرقمية ينبع من تطورات السياسة النقدية في اليابان. ففي 19 سبتمبر 2025، قرر بنك اليابان الإبقاء على أسعار الفائدة الحالية لكنه أصدر تحذيرًا، ملمحًا إلى احتمال رفعها استجابة للتضخم المحلي المرتفع. هذا التحول في النبرة أثار قلق المستثمرين العالميين، إذ إن السياسة النقدية اليابانية لها انعكاسات واسعة على الأسواق المالية. تاريخيًا، ساعدت بيئة الفائدة المنخفضة في اليابان على انتشار تجارة “الكاري تريد” بالين، حيث يقترض المستثمرون بالين للاستثمار في أصول مرتفعة العائد مثل الأسهم الأمريكية أو العملات الرقمية. رفع الفائدة قد يفكك هذه التجارة، ما يؤدي إلى تدفقات خارجة من الأصول عالية المخاطر، بما فيها العملات الرقمية.
حدث سابق مشابه وقع في أوائل أغسطس 2024، حين تسبب رفع مفاجئ للفائدة من بنك اليابان في هبوط حاد لكنه قصير في الأسواق العالمية. على سبيل المثال، هبط البيتكوين إلى نحو 49,000 دولار نتيجة ضغط البيع على الأصول عالية المخاطر. ورغم التعافي السريع للسوق، أبرزت الحادثة حساسية العملات الرقمية تجاه تحولات السياسة النقدية العالمية. لذا يجب على المستثمرين متابعة بيانات التضخم اليابانية وتصريحات بنك اليابان عن كثب، خصوصًا في أكتوبر 2025، إذ إن أي تأكيد لرفع الفائدة قد يزيد الضغط النزولي على أسعار البيتكوين والأصول الرقمية الأخرى.
استمرار النظرة المتشددة لباول
آمال سوق العملات الرقمية بانتعاش مستدام كانت تعتمد إلى حد كبير على توقعات مزيد من خفض الفائدة من الاحتياطي الفيدرالي. لكن رئيسه جيروم باول واصل كبح هذه التوقعات بموقف متشدد. ففي 17 سبتمبر 2025، قوبل خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس بردود فعل متباينة، إذ إن الأسواق كانت قد سعّرت الخطوة مسبقًا. تصريحات باول المصاحبة ركزت على الحذر، مشيرًا إلى أن التخفيضات العدوانية غير مرجحة في المدى القريب. كما أظهر مخطط النقاط للفيدرالي انقسامًا داخليًا: 9 من أصل 19 مسؤولًا توقعوا خفضين إضافيين في 2025، فيما توقع اثنان خفضًا واحدًا فقط، ورأى ستة عدم وجود أي خفض آخر. هذا الانقسام ترك المستثمرين في حالة من عدم اليقين بشأن مسار السياسة النقدية الأمريكية.
تصريحات باول في 23 سبتمبر 2025 زادت من القلق، إذ أعرب عن مخاوف بشأن تضخم قيمة الأسهم الأمريكية، ما انعكس على الأسواق المالية. العملات الرقمية، التي غالبًا ما ترتبط بالأصول عالية المخاطر كالأسهم، تأثرت سلبًا. فقد عجزت البيتكوين والإيثيريوم وسولانا عن استعادة الزخم، وبقيت الأسعار دون تعافٍ قوي. الخطاب المتشدد لباول أضعف التوقعات بعودة سريعة للسوق الصاعد، فيما يحاول المستثمرون استيعاب احتمال استمرار السياسة النقدية المقيدة لفترة طويلة.
لماذا انهار سوق الكريبتو يوم الاثنين؟
عجز سوق العملات الرقمية عن الحفاظ على الزخم التصاعدي ظهر بوضوح يوم الاثنين 22 سبتمبر 2025، حين وقع انهيار مفاجئ وحاد أربك المستثمرين. شهدت سوق العقود الآجلة للعملات الرقمية تصفيات بأكثر من 1.7 مليار دولار في يوم واحد، وهو أكبر حدث تصفية يومي منذ أكثر من ثلاث سنوات، متجاوزًا حتى “حدث 519” الشهير في 2021. هذا الانهيار نتج عن تضافر عدة عوامل، أبرزها التهديد الوشيك برفع الفائدة من بنك اليابان وتصريحات باول المتشددة، ما قوض ثقة المستثمرين. بالإضافة إلى ذلك، شهدت سوق العقود الآجلة تراكمًا سريعًا للرافعة المالية في الأسابيع الأخيرة، ما خلق وضعًا هشًا. وكما لو أن مركبة محملة بأكثر من طاقتها تكافح للتقدم، فقد ضاعف الإفراط في الرافعة المالية تأثير التراجع.
ورغم حجم التصفيات الكبير، كان هبوط سعر البيتكوين محدودًا نسبيًا بنسبة قصوى تقارب 3% فقط. وهذا يختلف بشكل حاد عن “حدث 519” في 2021، حين هبط البيتكوين بنحو 30%. الحركة السعرية المحدودة في 2025 تعكس تحولًا مهمًا في هيكل السوق. فخلافًا للدورات السابقة، التي كان المستثمرون الأفراد يقودون فيها معظم التقلبات، يظهر السوق الحالي خصائص متزايدة لسيطرة المؤسسات. اللاعبون الكبار مثل المستثمرين المؤسسات وصناديق التحوط يساهمون في استقرار التذبذبات، ما يؤدي إلى تقلبات أقل مقارنة بالأسواق السابقة. ورغم أن ذلك قد يحد من المكاسب قصيرة الأجل، إلا أنه يشير إلى سوق أكثر نضجًا قد يفيد المستثمرين على المدى الطويل عبر تقليل التقلبات الحادة.
كما أبرز الانهيار مرونة ديناميكيات سوق البيتكوين. فرغم الذعر الناتج عن البيع السريع، بقي رصيد البيتكوين في المنصات مستقرًا، بل أظهر انخفاضًا تدريجيًا. هذا يشير إلى ضغط بيع محدود من حاملي المدى الطويل، الذين يبدو أنهم يصمدون أمام العاصفة. بالنسبة للمستثمرين، يعزز هذا الفهم بأن أساسيات البيتكوين لا تزال متينة، حتى وسط التقلبات قصيرة الأجل. قدرة السوق على امتصاص حدث تصفية بهذا الحجم مع تراجعات سعرية محدودة نسبيًا تؤكد على نضوج متزايد في منظومة العملات الرقمية.
المصدر: Glassnode
الخاتمة: متى سينعكس اتجاه السوق؟
يمكن عزو الركود الحالي في سوق العملات الرقمية بشكل أساسي إلى الانقسامات داخل الاحتياطي الفيدرالي ونهج باول الحذر في السياسة النقدية. ورغم أن احتمالية مزيد من خفض الفائدة في 2025 توفر بعض الأمل، إلا أن غياب الوضوح والموقف المتشدد لباول يواصلان كبح المشاعر الصعودية. لكن نقطة تحول محتملة تلوح في الأفق، إذ من المقرر أن يتنحى جيروم باول عن منصبه كرئيس للفيدرالي في مايو 2026، ومن المرجح أن يخلفه شخص يتماشى أكثر مع سياسات الإدارة القادمة. وبالنظر إلى الدعم الموثق للرئيس المنتخب دونالد ترامب لسياسات نقدية أكثر مرونة، بما في ذلك خفض الفائدة، قد يشهد عصر ما بعد باول بيئة أكثر ملاءمة للأصول عالية المخاطر، بما فيها العملات الرقمية.
في هذه الأثناء، يواجه المستثمرون مشهدًا صعبًا. تهديد رفع الفائدة في اليابان إلى جانب الغموض المستمر حول السياسة النقدية الأمريكية يوحيان بأن التقلبات قد تستمر في المدى القريب. ومع ذلك، هناك أسباب لتفاؤل حذر. بقاء أرصدة البيتكوين في المنصات مستقرة يشير إلى أن حاملي المدى الطويل لا يسارعون للبيع. كما أن مشاركة المؤسسات تساهم في تقليل التقلبات، ما يجعل البيتكوين خيارًا جذابًا للمستثمرين ذوي الأفق الطويل. بالنسبة لمن يسعى للتعامل مع السوق الحالي، قد يكون الاحتفاظ بمراكز بيتكوين فورية استراتيجية حكيمة، تسمح لهم بتجاوز التقلبات قصيرة الأجل مع التمركز لاحتمال التعافي المستقبلي.